وعن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال : سحر النبي r رجلٌ من اليهود ، فاشتكى لذلك أياماً فأتاه جبريل فقال : إن رجلا من اليهود سحرك ، عقد لك عُقداً في بئر كذا وكذا ، فأرسل رسول الله r فاستخرجها فَحلَّها ، فقام رسول الله عليه الصلاة والسلام كأنما أُنْشِطَ من عِقَلٍ ، فما ذكر ذلك لذلك اليهودي ولا رآه في وجهه قط ))
[عزيزتي الزائرة يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابطللتسجيل اضغطي هنا] .
وقد ردّ كثير ممن ينسبون إلى العلم هذا الحديث الصحيح وتبعهم في ذبك من يقدمون العقل على النقل ويردون النصوص التي لا تقبلها عقولهم .
ويرون عقولهم ميزاناً يعرفون به صحيح الحديث من سقيمه معرضين عن منهج المحدثين من سلف الأمة الذين أرسوا قواعد علم الحديث ومصطلحة .
ولو كانت العقول وحدها ميزاناً لمعرفة الصحيح المنقول من سقيمه لكان خبر دائراً بين القبول والرد .
نعم فهؤلاء يرونه موافقاً لعقولهم فيقبلونه وآخرون يرونه مخالفاً لعقولهم فيردونه .
ورضي الله عن عَليَّ إذ يقول : لو أخذ الدين بالعقل لكان المسح على باطن الخف أولى من المسح أعلاه !!
فالعقل له دوره وله وظيفته وله أيضاً حدوده ونور الوحي لا يطمسُ نور العقل أبداً بل يباركه ويقويه ويزكيه .
وليس ابداعُ العقل في الجانب المادي والعلمي دليلاً على صوابه ودقته في الجانب الديني الذي لابد من التقيد بنور الوحي .
نعم .. فهذا هو العقل الروسي الجبار يدافع عن الكفر والإلحاد وشعاره أنه يؤمن بثلاثة ويكفر بثلاثة ، يؤمن بماركس ولينين وستالين ، ويكفر بالله وبالدين وبالملكية الخاصة !!
وهذا هو العقل الأمريكي الجبار يدافع عن الشذوذ الجنسي وعن زواج الرجل للرجل وعن العنصرية اللونية البغيضة وما أحداث لوس أنجلوس عنا ببعيد !!!
وهذا هو العقل اليوناني يدافع عن الدعارة !!!
وهذا هو العقل الروماني يدافع عن مصارعة الثيران !!!
وهذا هو العقل الهندي يدافع عن عبادة البقر !!!
وهذا هو العقل العربي في جاهليته الأولى يدافع عن وأد البنات وهن أحياء !!
وهذا هو العقل العربي يدافع عن الكفر والإلحاد باسم البعثية والقومية فيقول قائلهم :
أمنت بالبعث رباً لا شريك له ..... وبالعروبة ديناً ماله ثان !!!
ويقول آخر :
هبوني عيداً يجعل العرب أمة
سلام على كفر يوحد بيننا
وسيروا بجثماني على دين برهم
وأهلا وسهلا بعدها بجهنم
هذا هو العقل البشري الذي فَجَّر الذَّرة في الجانب المادي يفجر الكفر والإلحاد والزندقة في الجانب الديني !!!
هذا هو العقل البشري الذي غاص في أعماق البحار يغوص في أعماق الكفر والشرك والأوحال !!!
فالعقل له حدوده وله دوره ولا ينبغي أن يتعدى هذه الحدود أو يتخطاها وأن يحكم على النصوص الصحيحة الصريحة بعقله القاصر وحكمه الضيق .
فالذين ردّوا حديث سحر النبي عليه الصلاة والسلام ادَّعوا بأن الحديث باطل ومقدوح في سنده والحديث مخرج في أصح كتابين بعد كتاب الله عز وجل في صحيح البخاري ومسلم .
وإذا مجدت الحديث قد اتفق عليه الشيخان فإنه يكون في ذروة قمم الصحة ، وإذا وجدت الرجل يطعن في حديث رواه الشيخان فاعلم بأن بضاعته في علم الحديث مزجاه .. هذا إن أحْسَنّْا الظن به !!
أما دعواهم بأن الحديث يقدحُ في مقام النبوة ويتنافى مع العصمة التي منحها الله لنبيه في قوله {وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة:67]
وأن هذا الحديث يصدق المشركين الذين اتهموا الرسول بأنه مسحور كما قال عز وجل منهم : يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً } [الإسراء:47]
والجواب على هذا أن الرسول r معصوم باتفاق في جانب التبليغ والتشريع : {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى{3} إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى{4} } [النجم:4]
وأما بالنسبة إلى الأعراض البشرية كأنواع المرض والآلام والإصابة في المعارك فهذا لا يقدح في مقام النبوة ولا ينافي العصمة وجميع الأنبياء يعتريهم من ذلك ما يعتري البشر جميعاً: {قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ } [ابراهيم:11]
وقال جل وعلا مخاطباً رسول الله r : {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ } [الكهف:110]
والسحر علة من علل الدنيا ومن أمراضها كسائر الأمراض .
وهذه قدَّر الله أن تكون للنبي r كما تكون لغيره .
فقد أثَّرت فيه الحمَّى وأثر فيه السُّم وجرح وجهه في غزوة أحد ، وكٌسرت رُباعيته .
وسبقه من إخوانه من الرسل من قُتل ، ومن عذّب ، وأوذي .
وفي سنن الترمذي وقال حسن صحيح من حديث سعد رضي الله عنه قال : قال رسول الله أي الناس أشد بلاءً ؟ قال : (( الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل ، يبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان دينه صُلْباً اشتدَّ بلاؤهُ ، وإن كان في دينه رقَّةٌ ابتلاه على حسب دينه ، فما يبرح البلاءُ بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة ))
[عزيزتي الزائرة يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابطللتسجيل اضغطي هنا] .
وأما قولهم بأنه موافق لقول المشركين: {إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً} [الفرقان:8].
فمن المعلوم لكل أحد أن المشركين أرادوا بذلك أن ما يتلوه محمدٌ من قرآن نزل عليه من عند الله إنما هو سحر يفرق بين الإبن وأبيه والأخ وأخيه والزوج وزوجه .
كما حكي منهم ذلك في سورة المدثر حكاية عن الوليد بن المغيرة : {إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ{18} فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ{19} ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ{20} ثُمَّ نَظَرَ{21} ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ{22} ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ{23} فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ{24} إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ{25} [المدثر : 18-25].
ويبقى لنا أن نتحدث عن حكم السحر وحدُ الساحر وعن طرق الوقاية وإبطاله وهذا موضوعنا في اللقاء القادم إن شاء الله جل وعلا .
وصلي الله وسلم على محمد
الشيخ محمد حسان