راح يركض بسرعة حتى لايلحق به أحد ويكون أول تلميذ يصعد حافلة المدرسة مغادرا إلى بيته ..
رفع صوته وهو يلهث ملتفتًا إلى أقرانه من خلفه قائلا :
سأصعد قبلكم وأوصد الباب عليكم .
تعالت أصوات الأطفال من خلفه وهم يتوعدونه بالويل إن فعل ذلك .. ولكن !! ماكانت تهديداتهم إلا زيادة إصرارًا لباسل على تنفيذه لوعده .
وصل باسل إلى الحافلة .. ورفع قدمه بصعوبة ليصعد إليها .. كاد أن يلحق به أقرانه قبل أن يلحق قدمه الأخرى بالأولى .. فطوله لايتجاوز ارتفاع إطارات الحافلة إلا بقليل !!!
أمسك به سائق الحافلة العم إبراهيم وهو يؤنبه :
على رسلك ياباسل.. لم كل هذه العجلة ؟؟! كدت أن تسقط على وجهك .. لماذا لاأرى أختك أروى معك ؟!
لم يكترث باسل بمقولة العم إبراهيم ، بل أسرع ليوصد الباب كما وعد ..ألصق وجهه على زجاج النافذة وهو يضحك ..ثم راح يقفز ويصفق ليعبر عن انتصاره .
فتح العم إبراهيم باب الحافلة لبقية التلاميذ وهو يساعدهم على صعود الحافلة ، مطالبًا إياهم التزام الهدوء وترديد دعاء ركوب الحافلة .
عمُّت الفوضى للحظات بين مرح وجد .. تحركت الحافلة وبدأ الهدوء يرفرف ‘على أطفال روضة " السلام " .
لم يرق هذا الهدوء لباسل ! ولكن كيف يثير الفوضى حتى يحين وقت نزوله ؟! .
التمعت عينيه فجأة وضحك ضحكة صغيرة .. ثم أسرع إلى حقيبته ليخرج منها شيئًا وهو يخبئه !!
صرخت ليلى بأعلى صوتها حتى تجمد الأطفال من الخوف إلا باسل راح يضحك ويصفق مرة أخرى .
توقف العم إبراهيم : مابك ياليلى ؟؟!
قالت بصوت يرتجف من البكاء وهي تفرك عينيها : ألقى باسل بفأره علي .
التفت العم إبراهيم إلى باسل بعينين ملؤها الغضب قائلا : باسل كف عن أذية أصحابك ، أتحب أن يفعل بك أحد منهم ذلك ؟!
رد باسل بصوت ضعيف : كنت أداعبها ياعم ، أنا آسف ياليلى .. هل أخفتك ؟
ضحك العم إبراهيم من سذاجة سؤاله وأكمل سيره .
أثار موقف باسل الاضطراب في نفوس جميع الأطفال .. فراحت عبير تبكي لأنها لم تجد شطيرتها داخل الحقيبة وراحت تتهم باسل بأنه أخذ شطيرتها .. على الرغم من أنها كانت قد التهمتها أثناء وجبة الإفطار بالروضة !! بحث نبيل عن تفاحته هو أيضا ثم ارتفع صوته يتوعد باسل لأنه لاأحد سواه يجرؤ على اختطاف تفاحته ...
دبابات الأعداء تعترض طريق حافلة الروضة !! لماذا ؟؟
قفز باسل من مقعده بقوة وهو يقول : لاتخافوا ياأصدقائي .. أمي قالت لي أنهم جبناء ويخافون حتى من الحجارة ..
وقبل أن يتحرك العم إبراهيم من مكانه لأنه لم يصدق باسل , كان باسل قد وضع حقيبته على أرض الحافلة ليقف عليها ومن ثم ليستطيع اللحاق بمقبض الباب .. وسرعان مـــا فتحه وقفز إلى الخارج ليرهب عدو الله بفأره الصغير .
سقطت دمعة من عيني أروى على آخر سطر دونته من ذكريات طفولة باسل .. أغلقت كتابها وفتحت الدرج لتدعه يستقر بجوار فأر باسل الصغير .
دخلت والدة أروى فجأة ! فأغلقت الدرج بسرعة ..
نظرت إليها والدتها .. أسرعت لترتمي في أحضان أمها تبكي .. ضمتها إلى صدرها ضمة حنونة وقبلت وجنتها .. نظرت إلى عينيها الحزينتين ..ثم قالت إنه ينتظرنا في نعيم الجنة منذ عشرة أعوام يا ابنتي .. وسنلحق به مهما طال الزمان إن شاء الله ..