وقامت هذه الفشة الكافرة لتصب الفتن والإيذاء والعذاب صباً على رؤوس أصحابه وتضع الحواجز والسدود في طريق الدعوة !! .
ولكن هذا كله لم يَزدْ المؤمنين الذين ذاقوا حلاوة الإيمان إلا صبراً وصلابة وإيماناً حتى جاء نصر الله ودخل الناس في دين الله أفواجاً .
وظلت الأمة ترفل في ثوب التوحيد الذي كساها إياه إمام الموحدين وقدوة الناس أجمعين حتى أطلّت الفتن برأسها الظلوم ووجهها الكالح الغشوم وابتعدت الأمة رويداً رويداً عن حقيقة التوحيد !!
وبدأ الشرك يُطل برأسه من جديد وكثرت صورة ومظاهره ووقع فيه كثير ممن يتسمَّون بالمسلمين إلا من رحم الله جل وعلا !!!
فلم يعد الشرك متمثلاً في هذه الصورة الساذجة التي كان يزاولها المشركون قديماً في صورة حجر يصنعوه بأيديهم ثم يصرفون له العبادة من دون الله عز وجل بل لقد تعددت صورُ الشرك وكثرت الآلهةُ التي تُعبد في الأرض من دون الله عز وجل في مجال الاعتقاد وفي مجال النسك وفي مجال التشريع !!
ولا يتسع الوقت للتفصيل ولكن يكفي أن نعلم أنه إلى يومنا هذا يوجد في الهند أكثر من مئتي مليون بقرة تُعبد من دون الله عز وجل !!
وتُقام المعابدُ الفخمة الضخمة التي تقرب إليها القرابينُ والنذور !!
ولكن هل يا ترى أتعلمون ما هي الآلهة التي تعبد في هذه المعابد الضخمة ؟!! إنها الفئران !! نعم .. إنها الفئران !!!
وهذا كله يُلقي علينا نحن الموحدين مسؤلية كبيرة أمام الله عز وجل .
فما الذي قدمناه ؟!! وما الذي بذلناه ؟!!
علماً بأن إصدار الأحكام على الناس فقط دون التحرك وبسرعة لدعوتهم إلى التوحيد الخالص لن يغير من واقع الأمر شيئاً
ثالثا : أقسام الشرك
أحبتي في الله : الشرك نوعان أكبر وأصغر .
فالشرك الأكبر لا يغفره الله إلا بالتوبة منه .
وهو أن يتخذ من دون الله نداً يحبه كما يحبُ الله ويخافهُ كما يخافُ الله عز وجل وهذا هو شرك التسوية كما قال الله حكاية عن المشركين لآلهتهم في النار: {تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ{97} إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ{98} [ الشعراء : 97-98].
نعم فلقد كانت هذه التسوية في المحبة والتعظيم والعبادة !!
كما أنهم اتخذوهم أرباباً يشرعون لهم من دون الله عز وجل فعظموا تشريعهم وأراءهم أعظم من شرائع الله رب العالمين !!.
ولذلك لما سأل أبو هريرة رضي الله عنه رسول الله قائلاً يا رسول الله : من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة ؟!
قال: (( لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أوّل منك ، لما رأيت من حِرصِك على الحديث ، أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال : لا إله إلا الله من قلبه))
[عزيزتي الزائرة يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الرابطللتسجيل اضغطي هنا].
والشاهد هو كيف أن رسول الله قد جعل أعظم الأسباب التي تُنال بها شفاعته هي تجريدُ وإخلاصُ التوحيد لله العزيز الحميد .
فلا شفاعة على الاطلاق لهذه الآلهة المكذوبة المدعاة التي يعبدها عبادها ظناً منهم أنها ستشفع لهم عند الله عز وجل :
{مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} [البقرة:255]
وقال عز وجل : {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء:28]
وأنه تعالى لا يرضى من القول والعمل إلا التوحيد .
وصدق الله إذ يقول: {قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً} [الإسراء:56]
القسم الثاني : الشرك الأصغر :
وقد عَرَّفَهُ النبي r في الحديث الصحيح الذي رواه أحمد والطبراني في الكبير وصححه شيخنا الألباني في صحيح الجامع من حديث عمران ابن الحصين أن النبي r قال: (( إن أخوفَ ما أخافُ عليكم الشركُ الأصغر ))
قالوا : وما الشركُ الأصغر يا رسول الله .
قال: ((الرياء يقول يوم القيامة إذا جازى الناس بأعمالهم اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاءً ))(1)
والرياء لغة : مشتق من الرؤية .
وشرعاً : هو أن يقوم العبد بالأعمال لا يريد بها وجه الله عز وجل فحدَُ الرياء هو إرادةُ العباد بطاعة الله عز وجل .
والرياءُ محيط للأعمال لأن الله تعالى لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصاً صواباً.
والخالص : هو ما ابتغي به وجه الله .
والصواب : هو ما كان موافقاً لهدى رسول الله .
يقول الله تعالى : {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً } [الكهف:110]
وفي الحديث الذي رواه مسلم وغيره من حديث أبي هريرة قال رسول الله: (( إن أول الناس يُقضى يوم القيامة عليه ، رجل استُشهد فأُتي به فعرفه نعمه فعرفها ، قال : فما عملت فيها ؟ قال قاتلت فيك حتى استشهدت ، قال كذبت ولكنك قاتلت لأن يقال جريءٌ ، فقد قيل ، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ، ورجل تعلم العلم وعلم وقرأ القرآن فأُتي به فعرفه نعمه فعرفها ، قال : فما عملت فيها ؟ قال تعلمت العلم وعلمتهُ وقرأت القرآن ، قال كذبت ، بل تعلمت يقال عالم وقرأت القرآن ليقال هو قاريء فقد قيل ثم أمر فسحب على وجهه حتى أُلقي في النار ، ورجل وسّع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله فأُتي به فعرفه نعمه فعرفها ، قال : فما عملت فيها ؟ قال ما تركت سبيل ، تحب أن ينفق فيها إلا وأنفقت فيها لك قال : كذبت ، ولكنك فعلت ليقال هو جوادٌ فقد قيل ، ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقي في النار ))